الجمعة، فبراير 16، 2007

أهداف الدرس اللغوي بالإعدادي في ظل الشروط والوسائل المتوفرة




أهداف الدرس اللغوي بالإعدادي في ظل الشروط والوسائل المتوفرة
عبدالله مهداوي

إن الصعوبة لا تكمن أساسا في تفسير كيف يمكن التعلم من اكتساب بعض العادات ولا في تفسير كيف يمكن لإواليات تعليمية أن تنتهي إلى تعميمات، بل قد يمكننا بالأحرى، ومن أوجه مختلفة، أن نقارن وضعية الطفل بوضعية عالم قادر على إنشاء نظرية علمية ( أي على إنشاء نسق غني ومعقد من القواعد ) استنادا إلى تجربة ناقصة ومشوشة.إن هذا يبدو مستحيلا ومع ذلك ذلك فإن الأطفال يتوصلون إلى القيام بذلك، وهذا بفضل واقع أن الأطفال مزودون على نحو طبيعي بقدرة بشرية مخصوصة لاستيعاب أنساق القواعد هذه ولا أية أنساق وإنما هذه على وجه التحديد ".( نوام تشو مسكي " اللسانيات وكما أفهمها " عن مجلة بيت الحكمة العدد السادس.السنة الثانية. أكتوبر 1887 ص 5 و 6فإذا كانت النظرية التوليدية مع تشو مسكي كنظرية حديثة في مجال اكتساب اللغة ترى أن الإنسان يولد مزودا بقدرات فطرية تساعده على اكتساب اللغة،وأن هذه القدرات أهم من التجارب ، ذلك أن الطفل بواسطتها يستطيع اعتمادا على حدسه اللغوي أن يميز بين الأشكال التي تنتمي إلى لغته والأشكال التي لا تنتمي إليها ، فإنه لايمكن الحديث عن هذه القدرات بمعزل عن التجربة والواقع الخارجي ، لكون اللغة لا تستقر في دماغ المتعلم إلا عن طريق تجارب متعددة .ففي اطارعملية الاكتساب هذه تتداخل مجموعة من العناصر التواصلية بتقدمها السماع لماله من أهمية و نتيجة للدور الذي يقوم به في عملية اكتساب اللغة الأم المستعملة كأداة تواصلية داخل مجتمع لغوي معين فعن طريق السماع يستطيع الطفل اكتساب رصيده اللغوي واستبطان مجموعة من القواعد التي تضبط لغته بطريقة عفوية لتحقق له عملية التواصل مع الآخرين في مرحلة معينة بواسطة توظيفه للمكتسب اللغوي.ولما كانت اللغة المكتسبة في مجتمعنا المغربي عن طريق السماع والاستعمال غير اللغة العربية الفصيحة كان اكتساب هذه الأخيرة يقتضي استحضار بعض العناصر الأخرى للتواصل اللغوي كالكتابة والقراءة لتساهما إلى جانب السماع في تعليم وتعلم اللغة في المدرسة.وهكذا، انطلاقا من اعتبار اللغة وسيلة اجتماعية للتواصل بين الأفراد، واعتبارا أيضا لأهميتها الوظيفية في الحياة نادت التربية قديما وحديثا بجعل اللغة وسيلة فعالة لإدماج المتعلم في الحياة الثقافية للمجتمع لأقداره على ممارسة حياته اليومية . وعملا على تنمية ملكة الطفل اللغوية بالقسم الثانوي إعدادي كان الاهتمام بالجانب التواصلي من خلال تدريس مجموعة من المكونات في إطار العمل بنظرية الوحدة يدرس كل مكون في حصة مخصصة تبعا للبرنامج المحدد لكل مستوى من مستويات الثانوي إعدادي، ومن بين هذه المكونات "الدرس اللغوي "أي " قواعد اللغة العربية " سواء تعلق الأمر بالجانب الصرفي في اللغة أو التركيبي أو الصوتي.لقد اختلفت طرق تدريس قواعد اللغة العربية عبر العصور فحتى وقت متأخر من القرن الماضي كانت اللغة وقواعدها تدرس في الجوامع دون تسطير أي هدف من وراء ذلك، وإنما كان المتوخى هو تدريس اللغة من أجل ذاتها، وذلك ما اصطلح عليه "تحفيظ اللغة " فكانت القواعد النحوية تدرس في شكل منظومات وأراجيز بمعزل عن المجال الوظيفي لهذه القواعد.أما المدرسة الحديثة فتسعى إلى تدريس اللغة وقواعدها في إطارها الوظيفي خدمة للكفاية التواصلية باعتبارها أداة لنقل الآراء والمشاعر والاتصال بين أفراد المجتمع الواحد والأجيال المتعاقبة. من خلال السعي إلى تحقيق الأهداف التالية :التمكن من أساليب اللغة العربية وتراكيبهاأغناء وترسيخ الرصيد القاعدي الذي اطلع عليه المتعلم.تمكين المتعلم من طرق وأساليب توظيف العلاقات النحوية والصرفية في الكلام.*إقدار المتعلم على توظيف القواعد توظيفا سليما باحترام الضوابط اللغوية.شحذ ملكة المتعلم اللغوية وتمهيره على استعمالاتها في المواقف التواصلية المختلفة.هذه الأهداف كلها تسعى إلى إلى ضبط العناصر التواصلية اللغوية لذي التلميذ. فإلى أي حد يمكن تحقيق ذلك انطلاقا من جملة الشروط والوسائل المتاحة لإنجاز الدرس اللغوي بقسم الثانوي إعدادي ؟فإذا كانت الطريقة المعتمدة في إنجاز الدرس اللغوي بالإعدادي تنطلق من النص إلى القاعدة أي من الملاحظة إلى التحليل والاستنتاج مراعية في ذلك كون اللغة أسبق من النحو، ومراعية كذلك ما يمكن أن تفيده هذه الطريقة في التدريس محاولة في ذلك خلق نوع من التوفيق بين نظريتي الوحدة والفروع فإن هناك جملة من المشاكل تطرح بحدة في هذا الصدد ويمكن إجمالها فيما يلي:تحقيقا للأهداف المسطرة أعلاه يجب ألا نعمل على الفصل بين مادة اللغة العربية وباقي المواد التي تدرس بهذه اللغة، ذلك أن كل أستاذ مستعمل لهذه اللغة في تدريس مادته ( اجتماعيات- تربية إسلامية –علوم – رياضيات...)يعتبر مؤولا عن تحقيق تلك الأهداف ولا يخص الأمر أستاذ اللغة العربية وحده، وهي مسألة ( مسألة الفصل ) يمكن ملاحظتها داخل مؤ ساستنا التعليمية، مما يكون له انعكاس على تعامل التلميذ في مادة اللغة العربية ككل، فلا يكتسب اللغة السليمة إلا بصعوبة فهو لا يهتم بالقواعد إلا في درس التطبيقات ولا يهتم بالتعبير إلا في حصة الإنشاء و التعبير..وإن كان الفصل بين ذلك غير جائز ، هذا بالإضافة إلى مشكل الازدواجية الذي يطرح بحدة ويتمثل في وجود العامية بنوعيها ( العربية والأمازيغية ) إلى جانب اللغة العربية ، إلى جانب لغة أخرى قد تعتبر دخيلة بالنسبة للمتعلم ( الفرنسية ) ابتداء من المستوى الثاني إعدادي.إن تقليص حصص تدريس اللغة العربية من ست ساعات إلى إلى أربع ساعات وحصر مكونات اللغة العربية في ثلاثة مكونات ( قراءة – درس لغوي – إنشاء وتعبير ) سيخلق نوعا من الاضطراب لذى المعلم والمتعلم، فهذا الأخير لا يستطيع أن يستوعب بعض الدروس في حدود الغلاف الزمني المخصص لها.على الرغم من الجهود المبذولة من أجل تجاوز شكل كتاب قواعد اللغة العربية القديم، واعتماد واحد في تدريس مادة اللغة العربية يحاول الانسجام مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتوجهات التربوية العامة في تبنيه نظام الوحدات واقتراحه أنشطة متنوعة منسجمة مع الكفايات المستهدفة والقيم المتوخاة باعتماد مبدآ الكيف وليس الكم، فإن تمييز الأمثلة في الدرس اللغوي وكتابتها بلون مغاير لتحديد الظاهرة اللغوية وملاحظتها من شأنه أن يوحي للتلميذ بأن قراءة النص المساعد ( الأمثلة ) مجرد مسألة عرضية يمكن تجاوزها بسرعة من أجل ما هو أهم ( وصف الظاهرة وتحليلها ) لاستنتاج القاعدة. وإن عنصر الفهم والتعبير حاضرين بشكل ما في مادة التطبيقات.إن تقليص حصص اللغة العربية بالإعدادي إلى أربع ساعات كان على حساب مكون التطبيقات، فالأستاذ لا يجد متسعا من الوقت لإنجاز حصة تطبيقات تتعلق بكل درس لغوي ينجز مع التلاميذ، وكل ما يستطيعه هو إنجاز تطبيقات جزئية مقترحة في الكتاب المدرسي، هذا إن أسعفه الوقت، وذلك غير كاف لتحسبن أداء التلميذ اللغوي وإن كان من الواجب استحضار التطبيقات من خلال باقي مكونات اللغة العربية الأخرى.إن اكتظاظ الأقسام بالتلاميذ يحول دون الاعتناء بضبط عناصر التواصل لديهم لأن ذلك يستوجب أن يتمكن الجميع من القراءة والتعبير والكتابة، ولا يتحقق من هذه العناصر إلا الكتابة في أحسن الأحوال لأننا لا نجد الجميع يساهم في داخل الفصل شفهيا.فاعتماد التدريس بالكفايات يستوجب الاعتناء بالشروط والوسائل التي تساهم في تحققها وأمور غير متوفرة بالنسبة لكل مكونات اللغة العربية وليس الدرس اللغوي وحده.هذا إضافة إلى غياب حصص الدعم في مجال الدرس اللغوي بالشكل الذي يساهم في تحقيق الأهداف المتوخاة.